موضوع: ما الذي يحدث مع البشير ؟! السبت مارس 14, 2009 8:04 am
النقطة الأساسية التي لا يختلف عليها أحد في النقاش الذي أستجد نتيجة صدور مذكرة توقيف الرئيس السوداني عمر البشير ، من قبل قضاة المحكمة الجنائية الدولية ـ ،هو وقوع "جريمة إنسانية كبرى" في أحد الأقاليم الغربية السودانية ( دارفور ) ، راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء، الذين لا ذنب لهم .
وبالرغم من الاختلاف القائم حول الإحصاءات والأرقام الحقيقية ، لعدد الضحايا الذين كانوا وقود تلك النار ، فلا يمكن اعتبار ذلك سببا لتجاهل تلك "المحرقة " وضرورة متابعة المتسببين الرئيسين في تلك "المأساة " الإنسانية سواء كانوا أطراف في الحكومة القائمة او في حركات التمرد .. وينبغي الانطلاق هنا من حقيقة مطلقة ،تتمثل في توفر كافة أركان الجريمة الإنسانية ، في هذا الإقليم المنكوب ، وبالتالي إيلاء أهمية مضاعفة لضرورة عدم "إفلات المجرمين من العقاب" المستحق .
وبالعودة إلى لغة الأرقام التي يهواها البعض في محاولة "للتقليل" من خطورة الجريمة المرتكبة في دارفور ،ويبالغ البعض في تضخيم القائمة ظنا منه أن " حجم العدد" وحده ، وليس طبيعة الجريمة ،هو الذي سيوفر آليات الإدانة ، وبالتالي يحدد العقوبة ..!
وبعيدا عن الطرحين اللذين يكشفان عن "ضعفهما في آن سواء " ، فإن المراقب للوضع يدرك أن هناك "تضارب" سياسي في لغة الأرقام ..فالجمعيات التي انتظمت فيما يعرف بتحالف " أنقذوا دارفور" تقدر الضحايا الذين قضوا نحبهم في هذه المأساة بحوالي 400 الف ، فيما تقدر جهات محسوبة على الدولة السودانية بأنها أقل من 10 الف قتيل –في غياب إحصاء مستقل - ، وبين الطرحين اللذين قد لا يخفيان غرضهما ، جاء دور "مجلس العلاقات الأوروبية السودانية" ومقره لندن ، حيث تقدم لهيئة مراقبة معايير الإعلان البريطانية طالبا التحقق من "لغة الأرقام" ، مدعياً أن تحالف "انقذوا دارفور" قد ضلل المجتمع الدولي وساهم في استصدار قرار مجلس الأمن رقم «1769» الذي اجازه مجلس الامن الدولي ، فضلا عن قانون محاسبة دارفور الذي أجازه مجلس النواب الأمريكي، وذلك نتيجة "القائمة المضخمة" للضحايا .
وعقب هذه الإحالة فإن الهيئة البريطانية ، قد افلحت في الاعتماد على تحقيقات وتحريات مستقلة ، منها إحصاءات لجنة الاثنا عشر خبيراً للنظر في مدى مصداقية تقديرات ضحايا النزاع ، وتوصلت الى أن "تقديرات" منظمة الصحة العالمية ومركز أبحاث الامراض الوبائية هي الأقرب للصحة ، والتي تقدر عدد ضحايا النزاع بنحو «158» ألف !
فيما يقول مني أركو –الذي يشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية عمر البشير –أن آخر إحصاء قامت به حركته قبل توقيع اتفاقية ابوجا للسلام في 2006م يقدر الضحايا بين بين «200» ألف الى «220» الفاً !
ما بعد التنابذ بالأرقام
وبعيدا عن التفاوت الرقمي ،فإن كل ذلك الاتفاق / والاختلاف ، يشير الى "وقوع جريمة حرب واسعة " ..فمن المسؤول عن تلك الجريمة ؟!
وبمنطق إنساني وقيمي محض ينبغي الانطلاق للتحقيق في هذا الاتجاه ، وهو ما لم يحدث حتى الآن في السودان ، وما لم تبادر به حكومة الخرطوم جديا .. بل إن حالة الحراك الواسع الذي خلقته تداعيات "إصدار المذكرة الجنائية" ضد البشير قد صرفت الكثير من الناس نحو إسقاط "حق الضحايا في التقاضي " او الإعراض عن " واقع مأساتهم الإنسانية " ، بل إن البعض "أمعن في التقليل من حجم الجريمة "المرتكبة في دارفور ، ومنح الأولوية لما يسمي "بالحصانة" معتبرا ان الدفاع عنها أهم من الدفاع عن الإنسان ، أو استنكار الجريمة !
لا شك أن هناك تحركات سياسية –غير خفية- في المحيط الدولي لاستغلال "واقع الجريمة المرتكبة"،وقد تساهم تلك التحركات –ذات الغرض -، في اتجاه تعجيل اعتقال البشير، من خلال خطة محكمة تشترك فيها عدة جهات دولية –وليست الولايات المتحدة وإسرائيل بالطبع بعيدة عنها - ، إلا أن كل ذلك لا ينبغي أن يعفي الحكومة السودانية من "المسؤولية " المتمثلة في وقوع هذه الجريمة الإنسانية ، على الأقل من جهة " تقصيرها في حماية مواطنيها " في هذا الإقليم .
و الأمر المثير للعجب ان الرئيس البشير وعلى مدى يومين ظل يكرر أن النازحين اختاروا جهة القوات الحكومية في نزوحهم ولم يختاروا الجهة المعاكسة ليدلل أن المدنيين يلجؤون اليه، وبالتالي التلميح الى براءة الحكومة من تهمة " الإبادة" ..ناسياً أن "اللاجئ" لا يختار وجهته ، وأن النزوح حالة "لا اختيارية " بل تفرضها ظروف المعركة الدائرة كراً وفراً .. والأهم أن هناك ما يقارب 100 الف لاجئ دارفوري في تشاد المجاورة –وهي الدولة المتهمة من قبل حكومة البشير بدعم حركات التمرد !